الصفحة الرئيسية فوق بيانات الجمعية ملاحظات الزوار بحث روابط للإتصال بالجمعية أخبار الجمعية

 

 

تقرير عن قرية ترحين وما حولها

هدم المنازل وتشريد سكانها بموجب قرارات إدارية

 

 

ينص الدستور السوري في مادته 15 ف 1 : لاتنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقا للقانون.  

ف2 : المصادرة العامة في الأموال ممنوعة.  

 

 

" حيث ينتهي القانون يبدأ الطغيان " . . .

بهذه العبارة الشاملة والعميقة المدلول ، يمكن تلخيص مأساة أهالي قرية ترحين والقرى المحيطة بها ، حيث ضرب بعرض الحائط كافة القوانين التي تؤكد وتحمي حق هؤلاء الأشخاص في ملكهم وأرضهم ، وذهبت هباء كل الوسائل التي لجئوا إليها لدفع الظلم عنهم ، بدءا من القضاء الذي عجز عن حمايتهم مرورا باللجوء إلى الجهات المسؤولة التي تجاهلت نداءاتهم وصمت آذانها عن مظالمهم ، فطالما أن القوانين منسية بين دفات الكتب ، وطالما أن الأوامر الإدارية ورغبات المتنفذين في السلطة هي التي تحكم وتقرر وتنفذ ، فالنتائج حتما ستكون متوقعة . . .  

 

فقرية ترحين التابعة لمنطقة الباب في حلب ، تبدو خارج الزمن الحالي ، وكأنها استمرار لعصور الإقطاع المجحف ، فأراضي هذه القرية وما حولها من القرى الصغيرة ، كانت تعود بأغلبها لعائلات تركية أثناء الحكم العثماني ، فيما تعود ملكية بعضها لعدد من الفلاحين الصغار،  ومع اندحار زمن الإقطاع وتنفيذ قانون الإصلاح الزراعي في ظل دولة البعث ، تم توزيع معظم هذه الأراضي على فلاحي المنطقة الفقراء ، حيث وزع الإصلاح الزراعي ما مساحته سبعون هكتارا على الفلاحين ،فيما تعود ملكية 160 هكتارا في الأصل إلى عدد من الفلاحين، بينما احتفظ (أمين يكن ) – وهو سليل عائلة إقطاعية معروفة توارثت جزءا من قرية ترحين – بمساحة مائتي هكتار من الأراضي.  

وقد دأب هذا الشخص بما يملكه من علاقات وثيقة ببعض أجهزة الأمن ، على اضطهاد الفلاحين والتعرض لهم بشتى الوسائل رغبة منه في ترحيل أهالي القرية واغتصاب الأراضي والعودة بها إلى أمجاد ماضيه الإقطاعي العتيد . .  حيث حاول إبقاء هذه المنطقة في حالة من التخلف ومنع الوسائل الخدمية عنها ، فلم يكن في قرية ترحين إلا مدرسة مكونة من غرفة طينية واحدة ومؤلفة من شعبة واحدة ومعلم واحد وقد منع الفلاحون من بناء مدرسة جديدة ، والمياه كانت تنقل بالصهاريج من على بعد ثلاث كيلومترات ،لكن أهالي القرية منعوا من حفر الآبار ، كما منع الفلاحون من الرعي في بعض الناطق وحرموا من التوسع السكاني الذي ظل على حاله منذ أكثر من أربعين عاما رغم حصولهم على رخص بناء نظامية وموافقة محافظ حلب ودائرة الخدمات الفنية في حلب على البناء، وقد تقدم سكان المنطقة بعدد كبير من الشكاوى إلى مختلف الجهات المسؤولة من الرابطة الفلاحية في مدينة الباب إلى الشعبة الحزبية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، إلى مدير منطقة الباب ، إلى اتحاد الفلاحين بحلب إلى مديرية الزراعة والخدمات الفنية ، إلى شركة إيكاردا وإلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ، إلى محافظ حلب ، إلى أمين فرع حزب البعث ، فضلا عن طرح الموضوع في مجلس الشعب وفي مجلس المحافظة ، كما أثارت الصحافة هذا الموضوع لثلاث مرات، في جريدة الثورة نشر مقال بتاريخ 27/3/1996 تحت عنوان (حلم مزعج) وفي جريدة نضال الشعب نشرت أربع مقالات تحت عنوان (معاناة الفلاحين في قرية ترحين ) وبتاريخ 13/11/1999 نشرت جريدة تشرين مقالا تحت عنوان ( أعيدوا الحقوق لأصحابها ).  

لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل ، ومأساة الأهالي في ازدياد ، فبضغط من عائلة (أمين يكن ) تم تشكيل "لجنة أمنية " عام 1998 اتخذت قرارات بهدم منازل الفلاحين وإبعادهم عن القرية بدواعي "ضرورات أمنية " وتم الهدم على ثلاث مراحل أولها أواخر عام 1998 وآخرها مع نهاية عام 1999 " ومحيت القرية تماما من على الأرض التي زرعت بأشجار حراجية على أنقاض بيوت و متاع الفلاحين الذين شردوا بغير أن يتم تعويضهم أو تأمين مساكن بديلة لهم " وحتى الخيم التي نصبها البعض لإيواء عائلاتهم تم جرفها لكي يبقى الجميع بلا ملجأ  أو مأوى.  

وبتاريخ 16/12/1999 ، وبعد أن عجزت الطرق القانونية والمطالبة الشرعية بإحقاق الحق ، وفي ثورة من الإحباط واليأس ،  معمد أحد سكان القرية إلى قتل (أمين يكن ) لتبدأ مرحلة جديدة في مأساة أهالي المنطقة ، حيث قامت الأجهزة الأمنية على إثر ذلك بتوقيف خمس وسبعين شخصا توقيفا عرفيا من بينهم النساء والفتيات والحوامل ، حيث تعرض الجميع للتعذيب والتنكيل قبل أن يفرج عن عدد منهم ويبقى ثمانية وثلاثون رجلا وأربع نساء قيد التوقيف العرفي حتى الآن .  

وأثناء ملاحقة المطلوبين قتل حسين خشمان برصاص الأمن الجنائي بحلب وهو من قرية زمكة المجاورة لقرية ترحين وتم القبض على الشاب محمد جراح حيث وجد مشنوقا في زنزانته بعد عشرة أيام وأعلن أنه مات منتحرا !!

وبتاريخ 11/10/2000 وجه وزير الزراعة والإصلاح الزراعي كتابا إلى الرفيق الأمين القطري المساعد ع/ط رئاسة مجلس الوزراء وجاء فيه أن نقل ملكية الأراضي الخاصة العائدة لآل مشو والجراح في قرية ترحين إلى أماكن أخرى خارج القرية يتطلب قانونا موافقتهم على ذلك إلا أنه يمكن معالجة وضع هذه الأراضي من خلال اللجوء إلى نزع ملكيتها جبريا عن طريق استملاكها أومصادرتها وفقا للأحكام القانونية النافذة المتعلقة بهذا الشأن !! كما يقول السيد الوزير بأن (مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي قامت باختيار عدة مواقع لتنفيذ عملية النقل لأراضي الإصلاح الزراعي وأن اللجنة الأمنية وافقت على الموقع المختار في قرية ترحين صايكول ) .  

وبتاريخ 22/11/2000 صدر قرار عن وزير الزراعة والاصلاح الزراعي رقم 7080 والمستند إلى كتاب وزير الدولة لشؤون رئاسة مجلس الوزراء رقم 3509/ق بتاريخ 30/10/2000 والموجه إلى وزير الزراعة والمتضمن موافقة رئيس الوزراء على موضوع القرار المستند أيضا إلى كتاب القيادة القطرية رقم 14103 ص تاريخ 26/10/2000 والذي توصي فيه القيادة القطرية تنفيذ استبدال الأراضي ومصادرتها لأسباب أمنية .  

وقد قضى قرار وزير الزراعة المذكور بمبادلة أراضي عائدة للفلاحين بموجب الانتفاع بالاصلاح الزراعي في قرية ترحين منطقة الباب إلى قرية صايكول محافظة حلب عين العرب ومبادلة أراضي ملك خاص عائدة للفلاحين بمناطق في قرية صايكول واللجوء إلى نزع ملكية الأرض جبريا في حال عدم موافقة المالكين على المبادلة وبداعي أسباب أمنية.  

وقد أهدر هذا القرار حقوق أكثر من ألف شخص موزعين على أربع قرى هي زمكة وترحين ومصيبين ومزارع ترحين التابعة لمنطقة الباب محافظة حلب ، ورغم تقدم العائلات القاطنة في تلك المنطقة بدعوى الغاء القرار الإداري المذكور أمام محكمة القضاء الإداري ، تم ترحيل السكان وهدم دورهم وفلاحة أراضيهم بالبلدوزر وردم آبارها وزراعتها أحراجا.  

لم تتوقف المأساة عند هذا الحد ، فلابد من ترحيل كافة الفلاحين المحيطين بالإقطاعية لكي يهدأ بال أصحابها . .  

حيث تبلغ بعد ذلك سبعة من الموقوفين عرفيا من أهالي قرية زمكة هدم دورهم بقرار من محافظ حلب – وتم تنفيذ القرار فورا " حيث هدمت القرية وشرد سكانها وقبل أن تتاح أمامهم الفرصة لتأمين المأوى البديل . . .  

لقد غيب القانون في هذه القضية تماما حتى بدا أن حقوق المواطنين مستباحة ، حيث أهدر حقهم في أملاكهم ،حقهم في السكن الآمن ، حقهم في الدفاع عن أنفسهم ، وحقهم في الانتماء إلى أرضهم وغراسهم ودورهم . .  

أين كان الدستور السوري حين تم تشريد هؤلاء الناس وهو الذي ينص في م 15 ف1 (لاتنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقا للقانون.  ف2 المصادرة العامة في الأموال ممنوعة ). .  

أين توارى قانون الإصلاح الزراعي الذي قضى بعدم نزع أراض الإصلاح الزراعي من الفلاحين إلا عندما يخالفون نصوصه . . .  

أين كان قانون الاستملاك الذي نص في مادته الثانية على أنه (يجوز للوزارات وللإدارات والمؤسسات العامة والجهات الإدارية وجهات القطاع العام أن تستملك العقارات المبنية وغير المبنية سواء كانت ملكا صرفا أو ملكا للوقف أو مثقلة بحق وقفي وذلك لتنفيذ مشاريعها ذات النفع العام المنصوص عليها في هذا المرسوم التشريعي) والمادة الثالثة حددت النفع العام بفتح طرق وإنشاء وثكنات ومطارات ومرافق وسكك وفنادق وإنشاءات سياحية تموينية .  

أين غيب قرار الرئيس حافظ الأسد بمنع هدم مسكن مسكون شرعيا كان أم غير شرعي إلا بعد تأمين ساكنيه. . .  

هل تعتبر زراعة الأشجار الحراجية فوق ركام البيوت وكدح الفلاحين من النفع العام ، هل يعتبر إرضاء أهواء شخصية متنفذة على حساب مئات الأشخاص من النفع العام ، هل يعتبر تشريد المواطنين والزج بهم إلى المجهول وقطع جذورهم بأرضهم من النفع العام ؟!!

هل صحيح أننا نعيش . . .  في دولة قانون ؟ .  

الصحيح تماما أنه "حيث ينتهي القانون" يبدأ الطغيان " . .  

إنقر هنا لقراءة نسخ عن وثائق تتعلق بملابسات هذه القضية الإنسانية الشائكة

 

[تحت] [الصفحة الرئيسية] [فوق]

 

 الرجاء إرسال أي بريد الكتروني  بخصوص موقع الجمعية إلى  hrassy@ureach.com
Copyright © 2002 HRAS-Syria
آخر تحرير لهذه الصفحة: 2002-05-23 

Hit Counter