الصفحة الرئيسية فوق بيانات الجمعية ملاحظات الزوار بحث روابط للإتصال بالجمعية أخبار الجمعية

 

 

آثار تداعيات 11 أيلول (سبتمبر) على حقوق الإنسان

 

المحاضرة التي ألقاها الأستاذ هيثم في معرض تكريم البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان في القاهرة

لهيئة الدفاع عن معتقلي الرأي المنبثقة عن جمعية حقوق الإنسان في سوريا في 20-3-2002

 



 

المحامي هيثم المالح (رئيس جمعية حقوق الإنسان في سوريا)

 

أضواء على ذاكرة التاريخ

 

لماذا الحادي عشر من أيلول ؟ ولماذا ندور دوما في فلك الولايات المتحدة حتى في هذا ؟

 

ليس ضروريا أن يكون الإرهاب بطريق العنف حتى نتتبع آثاره وتداعياته ! إذ قد يكون الإرهاب فكريا ، كما تمارسه بعض الأنظمة ضد شعوبها، وقد يكون الإرهاب سياسيا ، وقد يكون اقتصاديا كما تمارسه الولايات المتحدة ضد سائر دول العالم لإخضاعها إلى برامجها الاقتصادية والسياسية وهكذا ؟

 

ولذا أجدني  أسلط الضوء على بعض الأحداث التاريخية الإرهابية والتي نالت بصورة كبيرة من حقوق الإنسان العربي !

 

فوعد بلفور المشؤوم الذي أسس لعمل إرهابي هدف إلى سلب أراضي الفلسطينين وإعطائها للصهاينة لايجاد وطن قومي لهم كما زعموا .

 

-    ومعاهدة سايكس بيكو التي قسمت العالم العربي عقب دخول جيوش الحلفاء إليها هو عمل إرهابي أدى لتقطيع أوصال الأمة العربية وأخضعها بالقوة للسيادة الأجنبية، ثم تنصيب الدول الحليفة حكومات عميلة لها وتابعة لرغباتها و هذا العمل هو من أعمال إرهاب الدولة والذي انعكس سلبا على حقوق الانسان .

 

ثم تتالت الأعمال الارهابية عن طريق الحكومة البريطانية حين كانت تحتل فلسطين بأن سلمتها للصهاينة  في حين منعت التسليح عن العرب وأحبطت ثورتهم فمارست بذلك إرهاب الدولة وأدى ذلك إلى تشريد شعب وسرقة أرضه .

 

وتوجت هذه الأعمال الارهابية منظمة الأمم المتحدة حين صوتت على إنشاء الكيان الصهيوني (باسم إسرائيل ) هذا القرار المعدوم لسببين :

أولهما: أن تبني إنشاء دولة على أساس ديني هو مما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة الذي يصف المنظمة بالعلمانية .

 

وثانيهما :لأن ميثاق الأمم المتحدة لايخول المنظمة سلب أراضي شعب لاعطائها لشعب آخر .

وهذا القرار هو ضرب من ضروب الارهاب الدولي الذي رعته منظمة الأمم المتحدة .

 

وأخيرا وليس آخرا انسحاب الولايات المتحدة من مؤتمر دوربن لمكافحة العنصرية ثم استعمالها لحق النقض الفيتو في مجلس الأمن لمنع إرسال مراقبين دوليين لحماية المدنيين الفلسطيين إنما هو ضرب من ضروب إرهاب الدولة الأقوى في العالم، ويجعل من الولايات المتحدة شريكا في قتل المدنيين الفلسطينيين مع المجرم شارون.وأنا أتسأل دائما لماذا لانتكلم عن هذه الأمور ونسلط الأضواء على هذه الأعمال الارهابية وتصاب ذاكرتنا بالنسيان أو بالغفلة ولا نعرض للعالم أجمع أن كل هذه الأعمال السابقة هي أعمال إرهابية تمثل إرهاب الدولة ؟

 

أحببت أن أضع أمام الحاضرين جميعا النقاط السابقة التي تشكل كل واحدة منها عملا إرهابيا أشد وحشية من أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 فهي قد أدت لتشريد شعب كامل بالملايين وقتل مئات الآلاف وسرقة الأرض وتدمير المدن والقرى وتدمير البساتين والأشجار والحقول .

ومع ذلك وإذا أردنا مسايرة هذا الدفع العالمي بمناقشة أحداث الحادي عشر من أيلول وتداعياتها على حقوق الانسان فإنني أضع أمامكم النقاط التالية :

 

أولا : لابد من استعراض مسألة حقوق الانسان في العالم قبل الحديث عن التداعيات .

فحقوق الانسان موغلة في القدم كانت تصونها العشيرة والقبيلة والأسرة ولم تبدأ لتأخذ الشكل المنظم إلا مع التطور الحضاري .

ولعل أول هيئة نظمت لحماية حقوق الانسان إنما تمثلت في حلف الفضول الذي تم في دار عبد الله بن جدعان حيث اجتمع فضلاء قريش وتعاهدوا أن لا يدعوا من  أهل مكة ومن يدخلها مظلوما إلا كانوا معه على ظالمه وسمي هذا الحلف (بحلف الفضول ) ونستطيع أن نعتبر هذا الحلف إنما هو أول منظمة أو جمعية لحقوق الانسان في العالم ولقد قال محمد (صلى الله عليه وسلم) لو دعيت لمثله في الاسلام لأجببت ،وهو ما يوضح مدى تمسك الاسلام  بمسألة حقوق الانسان .

 

ثم تداعت الدول للمناداة بحقوق الانسان فكانت الماغنا كارتا البريطانية ثم كانت الوثيقة الفرنسية وتطورت حقوق الانسان حديثا عقب الاعلان العالمي لحقوق الانسان فنشأت العديد من المنظمات على رأسها منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الانسان والمنظمة العربية لحقوق الانسان وغيرها الكثير .

 

ثانيا : تداعيات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر ) وأثرها على حقوق الانسان :

لا ريب أن ما حصل في الحادي عشر من ايلول هو عمل كارثي بكل المقاييس وهو من جهة ثانية مرفوض إنسانيا مهما كان معتقد الانسان لأن العنف أصلا ليس هو المظهر الحضاري المطلوب في هذا العصر ، إلا أنه علينا أن نتوقع حدوث العنف حين تكون العدالة غائبة أو مغيبة سواء في داخل الدول و المجتمعات أو في وعي الدول الكبرى ويكون الراسب في الأعماق وفي اللاوعي هو الاعتماد على القوة في سبيل تحقيق المصالح .

لقد قال جون آدمز في عام 1778 (عندما تبلغ أمة ما هذا المستوى من القوة فإنه من غير المستبعد أن تفقد حكمتها وعدالتها وإتزانها لتصبح خطرا على البشرية فتفقد قوتها ، لكنها تستعيدها لو هي عادت إلى هذه الفضائل ).

 

والأمة الأمريكية كما هو معروف أمة هجينة من دون تراث .

والتراث الأمريكي مرتبط حقيقة برعاة البقر (الكابوي ) والسلاح لديه هو جزء من مكونات اللاوعي الأمريكي ورمز لقوة الفرد وحقه في الدفاع عن نفسه وعن حريته ، ولقد إنساق الاعلام الأمريكي لتمجيد السلاح والسياسات التسلحية وألقى على المجتمع مهمة لاسابقة لها في تاريخ البشرية وهي مهمة تبرير إلقاء القنبلتين الذريتين على اليابان ، ثم تولي تبرير قصف الفيتتناميين بالنابالم وغيرها من الاسلحة المحرمة دوليا .

 

ثم كان عليه بعد ذلك تبرير تزويد أصدقاء الولايات المتحدة بالسلاح لابادة شعوب أخرى ، وهكذا فإن دولة الولايات المتحدة لاتجد لها الوقت للعودة إلى الفضائل المزعومة التي قامت عليها ،ولذا فهي موغلة وممعنة في التمترس بالقوة والعنجهية والارهاب ، واخترعت دائما عدوا حتى تشد الناس إلى سياساتها في محاربة هذا العدو ، ولقد برع كلينتون بصنع الأعداء واختراعهم لتبرير سياساته ضد ابن لادن فوجهت السلطات الأمريكية الانظار تجاهه ..

 

لقد قال الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ( على أعداء الولايات المتحدة أن يدركوا أننا نتحول إلى حمقى إذا قربت مصالحنا .. بحيث يصعب التنبؤ بما قد نقوم به بما لدينا من قوة تدميرية غير تقليدية . وعندها سوف ينحنون خوفا منا .. ) .

 

بهذه العقلية تدار السياسة الأمريكية و على حساب الجميع وبالتالي فلا وجود للعدالة هنا وإنما حماية المصالح الأمريكية والمصالح فقط !

فكيف لنا أن نتصور حالة حقوق النسان في هذه الحالة ؟

 

الولايات المتحدة الأمريكية مصابة كبعض الدول الكبرى بالنفاق فهي تستعمل قضية حقوق الانسان خارج دولتها (قميص عثمان)، تثيرها حين يكون لها مصلحة في أثارتها وتسكت عن الانتهاكات التي تمارس ضد حقوق الانسان كأبشع السكوت بل لقد تدعم الانتهاك ونبرره بدواعي الأمن كما فعلت منذ خمسين عاما ولاتزال في دعم الارهاب الصهيوني في فلسطين وفي انتهاك حقوق الملايين الفلسطيينين الموجودين خارج أراضيهم في حين تثير مسألة حقوق الانسان في وجه الصين حين يكون لها مصالح تريد تمريرها .

 

إن الشعور بالعظمة والقوة لدى الادارة الأمريكية وتدريسها  هذه العظمة للطلاب على مقاعد الدراسة إنما يوحي لنا بالشعار الذي طرحه دولف هتلر إمام النازية الألمانية (ألمانيا فوق الجميع ) في حين قال بوش الأب ،أمريكا أولا.. وأما وسائل التعليم فتغرس في نفس الطالب شعارها "بأننا الأقوى ونحن الأغنى" وهو نمط من أنماط العنصرية والعنجهية الأمريكية كما كان يقول ادولف هتلر "ألمانيا فوق الجميع" ومن هنا فكيف لنا أن نرى حقوق الانسان في نظر هؤلاء ؟....

 

لقد مارست الولايات المتحدة العهر السياسي في العراق عقب انهاء الاجتياح العراقي للكويت فنصبت نفسها حامية للشيعة في الجنوب العراقي وحامية للاكراد في شماله ومنعت الطيران العراقي من التحليق في اجوائه تحت هذا الادعاء الزائف، وبحجة حقوق الانسان تحارب النظام العراقي مدعومة بربيبتها الدولة البريطانية، ولإن كنت لست ممن يدافع عن هذا النظام ولا أي نظام استبدادي مثيل إلا أنني احببت أن أوضح الصورة أمام الجميع وهي واضحة اصلا ،وحتى لا نؤكل كم أكل الثور الأبيض.

 

وزادت الأمور سوءا عقب احداث الحادي عشر من ايلول فبدأت الولايات المتحدة تسن التشريعات التي تهدر حقوق الانسان ثم تعمد لخطف الناس بالمئات من أفغانستان بحجة مكافحة الارهاب وتنقلهم دون وجه حق او رادع من القانون الدولي إلى معسكرات غوانتانامو المعروفةوتمارس على أسراها كل صنوف الانتهاكات لحقوق الانسان وبذات الوقت تدفع بالسفاح شارون لمزيد من القتل والتشريد وهدم المنازل وتخريب الحقول وتسخر اعلامها لخدمته وتبرير اعماله الاجرامية بأن تصفها بالدفاع عن النفس ، وقبلها انسحبت من مؤتمر دوربن في جنوب افريقيا حتى لا تدان اسرائيل بالعنصرية واستعملت حق النقض الفيتو ضد ارسال مراقبين لحماية المدنيين من الفلسطينيين .

 

ومرة ثانية أتساءل أين هي حقوق هذا الشعب الفلسطيني الذي شرد منه الملايين خارج الوطن ويتعرض الآن لحملة ابادة جماعية مدعومة من اعتى قوة في العالم وأغشمها؟ فهل سيقف العالم العربي متفرجا حتى تتم تصفيته؟؟

 

لئن كانت مسألة حقوق الانسان تتخذ من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تحديدا وبعض دول الغرب  قميص عثمان وتشهره  سلاحا في وجه الخصوم حين الحاجة إلا أننا كنا نأمل أن يسود منطق الحق على منطق القوة يوما ما وأن تعود دول العالم لتفكر مليا بالحاجة الى التعاون في سبيل استنهاض المجتمعات من كبوتها إلا أن أحداث الحادي عشر من ايلول كبلت الأيدي وكممت الأفواه فهاهي دول اوروبا مجتمعة لا تستطيع أن تقف امام البلدوزر الأمريكي الذي يقود العالم بغباء شديد نحو الهاوية ونحو مزيد من الحقد والكراهية وتتضاءل الفرص أمام نهوض جديد لحقوق الانسان كيف لا والنظرة الأحادية هي السائدة اليوم.

 

إنه لمن المؤسف حقا أن نجد الحكومات العربية والاسلامية تصطف الواحدة تلو الأخرى الى جانب باطل امريكا خوفا وهلعا ويساق أبناؤها الى معسكرات غوانتينامو تحت سمعها وبصرها دون أن تنبس ببنت شفة ولعلها تقول خلصونا منهم.

 

إن حقوق الانسان تمر الان بمرحلة خطيرة لا بد من الدفاع عنها بكل قوانا لأن مفتاح الحرية والعدالة يكمن في مدى احترامنا لهذه الحقوق.

بل ان بعض الأنظمة وجدت فرصتها الان سانحة للتنكيل بخصومها ومعارضيها فلا أحد يلتفت اليوم لم يجري في بعض الدول المتخلفة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الانسان اللهم الا بعض الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا.

إن العالم اليوم أشد ما يكون حاجة لتحكيم العقل على الهوى ولجم جموح الانتقام والدعوة لإجراء حوار حضاري يخرج الجميع من جحيم مرتقب لا تحمد عقباه إذا ركنا إلى هذا الغباء الذي يقود الولايات المتحدة الامريكية والتي تدفع العالم نحو الهاوية ونحو صراع الحضارات، والذي سوف لا يجني العالم منه سوى الخراب والدمار ومزيد من العنف والارهاب.

 

[تحت] [الصفحة الرئيسية] [فوق] [الصفحة التالية]

 

 الرجاء إرسال أي بريد الكتروني  بخصوص موقع الجمعية إلى  hrassy@ureach.com
Copyright © 2002 HRAS-Syria
آخر تحرير لهذه الصفحة: 2002-05-23 

Hit Counter